مايابلانيت

القصة السّادسة
يا ترى ... ليش تأخرت أم فلاح 
عن كفالة زوجها !!..

يا ترى ... ليش تأخرت أم فلاح عن كفالة زوجها !!..
جلست يوما مع أحد الأصدقاء...وعلى الفور لاحظت أن مزاجه لم يكن طبيعياً، كان منفعلاً متوتراً سريع الغضب ، حيث بدا ذلك واضحاً على مسلكه ؛ حتى عندما تناول الجريدة وكان يقلب صفحاتها خلال ثوانٍ.. بسيطة أجزم أنها لم تكن كافية لمجرد قراءة عنوان بالخط العريض..ولكوني لست فضولياً ، فلم أسارع بسؤاله عن السبب ، لكنه شعر باستغرابي لتصرفاته ، فبادرني هو بالسؤال : يا زلمة ليش الناس صايرة هيك؟ ولم أجبه ، اكتفيت بنظرات إلى عينيه يعلم أن معناها هو ( تابع حديثك) ... وتابع ... ( قبل حوالي شهر تم ضبط أحد معارفي الأشخاص بقضية تعاطي هيروين).. وارتشف رشفة من فنجان القهوة الذي كان يهتز بين يديه.. وسعل بعدها سعلة كادت أن تنتزع روحه من بين أضلاعه.. وتابع حديثه ( يا رجل.. يا رجل.. تخيل كل ما نسأل أهله عن كفالته بيحكو بكرة وإلا بعد بكرة.. بنقدم استدعاء.. شو هالحالة.. الناس ما بتخاف من الله.. هذا ابنهم وهيك بيعملو معه.. والمشكلة زوجته أكثر وحدة عم تتهرب من كفالته..) 
ابتسمت ، وقلت (الغايب عذره معه ولا حول ولا قوة إلا بالله ) وتابع صديقي حديثه..(اتصلت معها قبل جيتك بشوي.. ونرفزتني ... وقالت على ايش مستعجل.. تخيل.. كأني طالب منها شغله إلي.. ).
المهم.. عندها بدأت أداعبه محاولاً التّخفيف عنه بأسلوب عكسي.. قلت له (شو بيقربلك؟.. هل هو من نسايبك.. ) وكان من الممكن أن يتلقى رأسي مكتّة سجائر نوع أصلي على قد ما عصّب من مزاحي الثّقيل!!. وقال لي: (هو من معارفي وكان رجل كويس قبل ما يبدأ بالسم الهاري.. لكن أنا ما بقدر أكفله لأني ما مش مستقر هون وبسافر كثير وبخاف يصير أي شي يمنع سفري ويأثّر على شغلي.. بس المهم أن موعدهم اليوم يتكفلوه وإن شاء الله إنهم فعلا يروحو عالمحكمة.. وكمان شوي رح احكي مع زوجته وأشوف).. غادرت من عنده.. وكان نفسي اعرف.. ليش تأخرت الأخت عن كفالة زوجها..
وفي صباح اليوم التالي.. وعندما دخلت مكتبي.. تذكرت منظر صديقي.. وابتسمت.. ورفعت سماعة الهاتف.. وكبست على الأرقام التي ستوصلني إلى حيث أسال إن كانت المحروسة قد تقدمت بالاستدعاء أم لا ؟ وإذا كانت الإجابة نعم..فلماذا تأخرت؟. أربع رنات وقبل الخامسة بقليل فتح الخط.. هل تصدقوا إني خشيت أن يكون مشغولاً فلا يجيب.. رغم أني لست فضولياً.. لكن.. تمنيت أن يجيب حتى اعرف السبب..
جاوبني (خير يا طير على هالصبح.. أكيد بدك تعرف إذا راحت أم فلاح امبارح وإلا لأ..). أدركت أن المقصود بأم فلاح هي المرأة التي تأخرت عن كفالة زوجها ، وأجابني فعلاً عن السبب.. أم فلاح.. ليش هيك.. يا خسارة..يا خسارة يا أم فلاح.. خسارة الأيام اللي راحت مع أبي فلاح.. أجابني صديقي حيث أخبرني بما أجابته أم فلاح على الهاتف ولماذا لا تريد أن تتعجل في الذهاب للمحكمة.. ولن أقول يا ليته لم يجبن.. بل سأقول.. احمد الله عز وجل أن أجابني.. حتى نتعلم.. حتى نقوم بواجبنا على أكمل وجه في إيصال الرسالة.. الرسالة التي تحمل عنوان : يا ترى... ليش تأخرت أم فلاح عن كفالة زوجها ؟!!..
أقول لكم وعلى لسان أم فلاح...
( يا خوي قبل سنة كنا عائلة عادية.. أولادي في المدرسة فلاح 14 سنه واسامه 12 سنه وراما 7 سنوات وسها 5 سنوات وليلى سنه.. أبو فلاح كان يشتغل سايق باص ... وكان إنسان عادي يحب أولاده وعلاقتنا كانت كويسه ، أولادي كانوا شاطرين بالمدرسة ، مش أوائل لكن علاماتهم عالية.. كان عندي أحلام واستنى فلاح لما يدخل الجامعة ، وراما لما يجيها عريس.. اسامه كان حاب يصير ضابط بالأمن حتى يمسك الحرمية لأنه بيتنا انسرق مره وراحوا ذهباتي كلهن.. لغاية ما أبو فلاح بدا يشرب حشيش.. الله يعلن اللي كان السبب.. بعد شهر بس بدا يؤخذ حبوب وصار يتأخر باستمرار بالليل.. وطبعاً ما يصحى الصبح وما يسوق الباص بدري.. صاحب الباص طرده من الشغل وما ظل راتب ولا بطيخ.. والأخ كل يوم بده عشرين وإلا ثلاثين ليره أو بصير يضرب ويكسر ويهاوش.. صار الصريخ كل يوم.. والمشاكل من الصبح لنص الليل إلا إذا أبو فلاح اخذ مصاري.. ما ظل حد من الجيران إلا اخذ منه.. وضع الأولاد في المدرسة صار زفت.. وبالأخير صارو يكرهوا يروحوا عالمدرسة ، لان أصحابهم ساكنين في نفس الشارع وعارفين عن مشاكلنا.. وصاروا يسمعوا تعليقات كل يوم.. المهم هالشغلة عجبت أبو فلاح.. وطلب من الأولاد يشتغلوا بدل ما يقعدوا بالبيت.. صاروا يطلعوا على السوق عتاله ويبيعوا على الإشارات.. برد والا حر ما في مشكلة.. المهم آخر النهار كل واحد يجيب 10 أو 12 دينار.. والا القشاط بيشتغل.. وبوخذهن أبو فلاح وبيطلع من البيت وما بيرجع لوجه الصبح.. الله وكيلك على هالحال.. والله لو واحد منهم حاول يوخذ بريزة منهن كان أكل كتله.. مره فلاح كان مخبّي نص دينار داخل جراباته حتى يعطيه لراما أخته اللي نفسها تشتري شغلة من مقصف المدرسة من زمان.. يومها كل الشارع سمع صياحه وراما رمت حالها قدّام أخوها حتّى تحمي أخوها اللي بحبها وبنكتل عشانها.. والله طول هالسنة ما شفنا يوم حلو.. ولما انحبس أبو فلاح.. كان الأولاد كل يوم يرجعوا من الشغل ويعطوني المصاري.. وبعد أسبوعين وإلا معي ميتين دينار.. والله.. والله ميتين دينار.. من زمان زمان ما شفتهن.. انتبهت لحالي وفكرت.. أخذت الولاد عالسوق، فلاح بده بوط رياضه من زمان.. اسامه ما في بالبيت ولا بنطلون على قياسه.. والله يا خوي اشتريت بالمصاري لأولادي أواعي من الطلياني.. اقسم بالله بنتي سها إلها فتره نفسها تشتري ساندويش فلافل ساخن مع كعك وشاي زي ما كان أبوها يعملها زمان.. راما بدها غيارات... والله حليب ما عندي للصغيرة.. وحتى حليب مني أنا ما في.. مهو يا خوي ولا مؤاخذه لا أكل ولا نيلة.. بس ضرب وخوف.. منين بدو يجي الحليب ؟!!.. 
تنهيدة كبيرة.. دموع صامتة.. وتتابع أم فلاح.. كان هذاك اليوم من أحلى الأيام لأولادي.. في الطلياني كل واحد اشترى اللي بده إيّاه.. وبعدها اشترينا كعك وفلافل.. بتصدق يا سيدي وإحنا راجعين على البيت أكلنا كنافة!.. والله رجعنا على البيت بتكسي.. شو رأيك ؟! بعد هيك بديت أفكّر اشتري صحون وكاسات بدل اللي كان يكسرهن الأستاذ أبو فلاح.. ونزلت عالسوق بعد أسبوع واشتريت دزينتين صحون غير شكل ميلامين.. وكاسات شاي مذهبه مع صحون.. ومقلى.. وجبت جبنه وبيض ولبنه وسنيورة وطن، والأولاد جابوا تفاح وبردقان وموز.. تصور بالله عليك.. قبل أسبوع ما عندي حليب للبنت وهسا بتشرب موز بالحليب.. !! شو رأيك..؟ أروح عالمحكمة أتكفّل أبو فلاح.. وإلا تخليني اشتري جنابي وبطانيات للولاد ...؟ شو رأيك يا خوي ؟ .
وبلا تردد.. ولا تأخير.. أجابها صديقي وكانت دموعه تلجم اللسان:( والله يا أم فلاح لازم أبو فلاح يظل مسجون حتى انتي والأولاد تقرروا متى يطلع من السجن!).
يا ناس... يا عالم.. مين بيقبل يكون مثل أبو فلاح